روائع مختارة | واحة الأسرة | قضايا ومشكلات أسرية | العنوسة.. خطر يداهمنا (1- 2)

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
روائع مختارة
الصفحة الرئيسية > روائع مختارة > واحة الأسرة > قضايا ومشكلات أسرية > العنوسة.. خطر يداهمنا (1- 2)


  العنوسة.. خطر يداهمنا (1- 2)
     عدد مرات المشاهدة: 2483        عدد مرات الإرسال: 0

إذا ألقينا نظرة شاملة على تاريخ أمتنا الحضاري لوجدنا الحياة الاجتماعية قد ظلت على وجه العموم متماسكة، على الرغم من وجود بعض الثغرات في هذه البنية، والزواج هو العمود الفقري لشبكة العلاقات الاجتماعية في المجتمع الإسلامي، فهو ركيزة أساسية لا يمكن تجاهلها بحال، وسهولة الزواج، والقدرة على إتمامه أكثر من مرة في حالات الطلاق، أو الترمل، كان شائعًا جدًّا للرجال والنساء، فأسماء بنت عميس رضي الله عنها تزوجت جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه فلما استشهد تزوجت أبا بكر الصديق رضي الله عنه فلما مات تزوجت عليًّا رضي الله عنه وبمجرد انقضاء عدة أم كلثوم بنت عقبة من الزبير بن العوام تزوجت من عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنهم جميعا وعندما كانت تنقضي عدة الأرملة كانت تتزين للخطاب، وهكذا كان الزواج هو الأصل حتى لمن سبق له الزواج، وكانت حالة العزوبية، أو العنوسة هي الاستثناء، وظل المجتمع المسلم محتفظًا بتقاليده هذه حتى سنوات قليلة مضت، ثم بدأت العنوسة، أو تأخر سن الزواج يطل برأسه رويدًا رويدًا، حتى بلغت نسبة العنوسة في مصر وحدها تسعة ملايين، منهم ثلاثة ملايين من الإناث، وستة ملايين من الذكور، هذا بالإضافة إلى الأعداد الغفيرة ممن فشل زواجهم، وتعقدت أمامهم الفرصة الثانية.

لذلك أصبح الحديث عن العنوسة جزءًا من الشجن الثقافي، والاجتماعي لأمتنا، وأصبحت مأزقًا حقيقيًّا نعانيه، وخطرًا يهدد مستقبلنا، ومن ثم لابد من تضافر كل الجهود من أجل البحث عن حل قبل أن نصل إلى مرحلة اللا عودة.

والحقيقة أن مشكلة العنوسة مشكلة مركبة، ومعقدة ومن الصعب جدا إيجاد حل واحد لها، كما أن الحل قد يستغرق عقودًا من الزمن تماما كما تعقدت حتى وصلت إلى هذا الحد في عقود.

ولكن ما سبق لا ينفي أن الحل الفردي هو حل حاسم جدا، وعملي، وفي الوقت نفسه لا يمكن التنازل عنه عندما نبدأ في عملية التغيير الثقافي من أجل خلق وعي جديد بأبعاد المشكلة.

ومن الحلول الفردية التي رأيتها ذلك الحل الذي قامت به سيدة لديها خمس بنات، وهي سيدة فقيرة، ولكنها متدينة وواعية بخطر مشكلة العنوسة، هذه سيدة فقيرة وبناتها لا يتمتعن بأي قدر من الجمال، وعلى الرغم من ذلك تزوجن جميعا في سن مناسبة جدا.. كيف؟

هذه السيدة اجتماعية، وتعرفها الكثير من الأسر، وتعرف أنها متدينة، ولا تريد سوى زوج خلوق، ولديه الرغبة في تحمل نفقات المعيشة، ولا شيء أكثر من ذلك، وهي لا ترفض أبدا الفرصة الأولى بزعم أن ثمة فرصًا أخرى قد تكون أفضل، وهي لا ترفض التعليم الجامعي، لكنها لا تحتمه، فبعدما حققت ابنتها الكبرى تفوقًا دعمتها بشدة رغم الظروف المادية للالتحاق بالجامعة، ولكنها قبلت أن تعقد زواجها، وهي في العام الجامعي الثاني وأن يتم البناء وهي لا تزال في السنة النهائية، والحقيقة أن الكثيرات يرفضن الزواج أثناء المرحلة الجامعية، ثم يعانين بعد ذلك من ضياع عروض للزواج كانت شبه مثالية.

وبالنسبة لهذه السيدة التي تصلح نموذجًا جيدًا لإدارة الحل الفردي فإن بناتها الثلاث الأخريات لم يكن يتمتعن بموهبة دراسية خاصة تؤهلهن للالتحاق بجامعة حكومية مجانية؛ فألحقتهن بمعهد لتحفيظ القرآن ووافقت على أول خاطب خلوق يتقدم لهن حتى لو كانت الابنة ستسكن بعيدًا، أو في منطقة ريفية، أو ستشارك حماتها المعيشة، وهي تقول في ذلك لن يكون هناك زواج مثالي تتحقق فيه كل الأحلام، وأن من تنتظر حتى تجد لابنتها هذا الزواج فسوف تنتظر طويلا.

والحقيقة التي قد ينساها الأهل وهم يرفضون عروض الزواج أن للفتاة ومنذ مرحلة المراهقة مشاعر جياشة نحو الجنس الآخر، وغريزة فطرية قد تنفجر في شكل زواج عرفي، وغيره من صور الانحراف، ولكنها لا تستطيع أن تبوح لأهلها بذلك، فعلى الرغم أن فتاة اليوم قد اختلفت كثيرًا عن فتاة الأمس، وأصبحت أكثر جرأة، وربما أقل حياء عما كانت عليه قبل ذلك، ولكنها لا تستطيع أن تتكلم حتى مع أمها في حقيقة رغبتها في الزواج، والأم لها دور حيوي في قضية الزواج- أو هكذا ينبغي أن يكون- فهي أقرب إنسانة إلى الفتاة ولابد أن تشعر بابنتها، وبما تحتاجه، ثم إنها تملك قدرة عالية على إقناع ابنتها بالزيجة، والعكس فهي أيضا تملك القدرة على تضخيم العيوب، وإثارة الهواجس لدى الفتاة، ثم تكون هي أول النادبين للحظ العاثر لابنتها التي جاءها العديد من الخطاب ثم انتهت إلى العنوسة، وكثيرات هن النساء اللاتي يرفضن زواج الفتاة أثناء مرحلة الدراسة رغم احتياج الفتاة لهذا الزواج، ثم تكون النتيجة الفاجعة قنبلتين: تفشي حالات الزواج العرفي ذلك الغلاف الرقيق لجريمة الزنا، أو تفشي حالة العنوسة البائسة التي تحياها الفتيات بأسى حقيقي، رغم كل الجهود التي تبذل لدعمهن وجعلهن يعشن حياة طبيعية، إلا أن غريزة الزواج والأمومة تكون أكثر إلحاحًا؛ فلا يستطعن التمتع بحالة نفسية مستقرة وهادئة.

 

الكاتب: فاطمة عبد الرءوف.

 

المصدر: موقع رسالة الإسلام.